نساء العرب.. "جهاد" برلمانية وبطلة سباحة رغم أنف الكرسي المتحرك والمتنمرين (1)

نساء العرب.. "جهاد" برلمانية وبطلة سباحة رغم أنف الكرسي المتحرك والمتنمرين (1)
جهاد إبراهيم

"مصممة على بلوغ الهدف، فإما أن أنجح وإما أن أنجح، وهذا ما أتحدى به العالم"، هذا ما أخبرت به “جهاد” خجلها وجسدها الأنثوي سجين الكرسي المتحرك، حينما كان يتجاوز بها أحدهم سلالم الكلية حملًا على الأكتاف.

معاناتها مع شلل الأطفال لم تكن التحدي الوحيد الذي واجهته، فلا يمكن تصور ما يجده المرء حينما ينشأ في بيئة ريفية، يحمل على كتفه عبء مرض ينظر الغير إليه على أنه نقص.

يزيد الأمر صعوبة إذا كان المريض "أنثى"، حينها ستعتاد سماع جمل مثل "مين هيرضى يتجوزها، وهي هتنفع في إيه، اعتبروها مجتش وخلفوا غيرها"، لقد كان تنمر الآخر عليها كفيلا بقتلها وعمرها لا يتجاوز أصابع يديها الصغيرة، (الآخرون هم الجحيم) كما قال سارتر، لكن ما حدث كان مفاجأة.

في رحلة يسهل الكتابة عنها لكن من الصعب عيشها، استطاعت جهاد إبراهيم بعد عناء وكد سنين إحراز انتصارات عظيمة، كبرت الصغيرة وتزوجت وأصبحت أمًا لطفلة جميلة، وعضوة بالبرلمان المصري حتى 2020، ومدرسة بكلية البنات قسم اجتماع جامعة عين شمس، وبطلة مصر في السباحة لذوي القدرات الخاصة لسنوات عديدة، ومُدربة تنمية بشرية.

وحصلت على العديد من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية لتميزها في لعبة السباحة. 

ساهمت في قوانين ذوي الإعاقة والمشاركة في الحوار الوطني من أجل خروج هذا القانون للنور، وكذلك قوانين مناهضة العنف ضد المرأة وتجريم الختان والتمييز بين الجنسين.

ولمساهمتها المتميزة في مجال التنمية البشرية، لُقِبت بـ"باعثة الأمل"، وتم اختيارها من أكثر الشخصيات الشابة المؤثرة والملهمة والباعثة للأمل.

قدمت للشباب كقصة نجاح ملهمة لهم، وقال لها الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدما حاورته في أحد المؤتمرات: "مصر هتفضل عظيمة طول ما فيها عظيمات زيك"، واحتضن طفلتها كارمــا وأخذ صورة تذكارية معها كانت محل حديث كل الصحف المحلية والعالمية. 

تم اختيارها من أكثر الشخصيات الشابة المؤثرة والملهمة والباعثة للأمل على مستوى الوطن العربي في سنة 2015م، في نشر الطاقة الإيجابية والفكر الإيجابي وحث الشباب على العمل.

وكذلك شاركت بالعشرات من الفاعليات والاحتفاليات والمؤتمرات المختلفة، ومؤتمرات ذوي الإعاقة.

لجميع ما سبق، اختارتها "جسور بوست"، لتكون إحدى حلقات سلسلة حوارات "نساء العرب" التي تبرز من خلالها قصص البطولة والنجاح والتأثير لنساء عربيات.

أتتكِ فرصة عظيمة للتغيير وخدمة أصحاب الهمم، ما هي إسهاماتك تحت قبة البرلمان؟

كنت أول من تكلم عن قضية بناء الإنسان، ليأتي الباب الرابع من بيان حكومة دكتور مصطفي مدبولي ويتكلم عن نفس القضية، كذلك قمت بالمساهمة في العديد من مشروعات القوانين مثل قانون السياحة العلاجية، ومتابعة العديد من الملفات مثل الإجراءات والخطط التي تتبعها كل من وزارة الطيران المدني، ووزارة السياحة والآثار في مواجهة فيروس كورونا المستجد.

وساهمت في مشروع قانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمشاركة في الحوار الوطني من أجل خروج هذا القانون إلى نور، وكذلك قوانين مناهضة العنف ضد المرأة وتجريم الختان والتمييز بين الجنسين، أيضًا قدمت العديد من طلبات الإحاطة في اللجان النوعية المختلفة، على سبيل المثال وليس الحصر، لجنة النقل والمواصلات بسبب عدم تهيئة القطارات والمواصلات العامة لذوي الإعاقة، كذلك لجنة الإسكان بسبب عدم تطبيق كود الإتاحة الموجود في قانون 119 الخاص بذوي العاقة.

وكذلك العديد من طلبات الإحاطة أثناء تواجدي بلجنة الشباب والرياضة، وذلك بسبب سوء الموارد في مراكز الشباب التي تعتبر هي المتنفس الوحيد للشباب في معظم الجمهورية وخاصة الطبقات محدودة الدخل.

أيضًا لجنة الإدارة المحلية، بسبب فساد بعض المحليات، وكذلك لجنة الصحة بسبب بعض الإهمال في بعض المستشفيات، أيضًا اللجنة الدينية لتعزيز دور رجال الدين المسلم والمسيحي خاصة في الفترات الأخيرة والمطالبة بتجديد الخطاب الديني، ولجنة التضامن الاجتماعي وكذلك قدمتُ العديد من الاقتراحات والبيانات العاجلة التي تهم المواطن البسيط.

وماذا كان حلمك منذ الصغر، وهل تحقق؟

كان حلمي منذ الصغر أن أصبح طبيبة أعالج من لديهم شلل أطفال، وكنت أكتب على حيطان منزلنا الدكتورة جهاد ابراهيم، لقد عشت معاناة من عدم القدرة على الحركة تضطرني أحيانًا للزحف، فقر مدقع وظروف صعبة، فكان حلمي معالجة من يعانون نفس ما أعانيه من مرض "شلل الأطفال"، لم يتحقق الحلم والحمد الله على ذلك، فبدلًا من معالجة الأجساد أصبحت أعالج أرواح الناس وأطبطب على قلوبهم وأبعث إليهم الأمل في الحياة، وأحمد الله على ذلك.

وما التكريمات التي حصلتِ عليها؟

حصلت على التكريم في مناسبات كثيرة، سواء تكريمي رياضيًا كبطلة سباحة، أو تكريمات من وزارات وهيئات ومؤسسات وهذا فضل من الله ونعمة، ونلت ميداليات كثيرة في السباحة، كان آخرها بطلة مصر، وكانت السباحة بالنسبة لي التوازن الذي وضعه الله بداخلي لشعوري بالحركة.

ما هي دراستك، وكيف أصبحت مدرسة في الجامعة؟

في علم الطاقة هناك قانون يقول، "إن قانون التخلي هو قانون التجلي"، أي كلما تخليت عن شيء أتى إليك بقوة، فتخليت عن حلمي في كلية الطب والتحقت بكلية البنات "آداب قسم اجتماع"، كما حاولت الالتحاق بكلية التربية وتم رفضي لأنني على كرسي متحرك، رغم أن درجاتي الأعلى بين كل زملائي الملتحقين بها، ولكن كُتب على أوراقي غير لائقة طبيًا، وكان انكسارًا، لكنه لم يكن أبدًا نهاية الحلم.

تذكرت في لحظات الضعف مقولة أستاذ لي، كان له صديق تم رفضه لنفس السبب في كلية الهندسة، ففرض نفسه عليها، واجتهد وكانت له مؤلفات عدة كان أولها "رفضتني الهندسة طالبًا وفرضت نفسي عليها معلمًا"، فالتحقت بكلية الآداب قسم اجتماع، وشاء القدر أن أندمج وأكتشف شغفي بتحليل المشكلة وحلها ومساعدة الآخر.

وخلال 4 سنوات كنت الأولى على الدفعة ثم جاء بعدها قرار تعييني كمعيدة، وحينها اعترض البعض مرة أخرى لنفس السبب وهو “الكرسي المتحرك”، لكن رصيدي عند الله كان كبيرًا ولأول مرة أشم نسائم النصر وجبر الخاطر، فلن أعود إلى قريتي الريفية فارغة اليدين، بل سأظل في القاهرة أناضل وأبحث عن قدري وأستكمل حلمي.

ما هي التحديات التي واجهتكِ، وكيف تغلبتِ عليها؟

واجهتني تحديات كثيرة، منذ أول يوم لي في الجامعة، حيث إنها لم تكن مهيأة لذوي الهمم، وكان شعورا صعبا أن يحملني أحدهم من على الكرسي لتجاوز السلالم، كنت أحاول التفكير في بديل، لذلك كنت أحاول بنفسي، فلاحظت مديرة الجداول ذلك وتم أخذ إجراء بجعل كل المحاضرات الخاصة بي في الدور الأرضي، وكان هناك أيضًا بعض السلالم عليَّ اجتيازها، فذهبت إلى عميدة الكلية وتم تخصيص مكان لصعود الكراسي المتحركة بجوار السلالم.

كان من التحديات النفسية التي واجهتني كأنثى جامعية حولها تعيش العديد من الفتيات قصص حب، إلا أنني لم أعش مثلهن هذا الشعور، فكان حلمي أن أعيش ذلك في مجتمع ينظر إلى على أنني غير مكتملة، فمن الذي سيرضى بي وأنا على كرسي متحرك، وكان دائمًا ما يقول جيراني والدتي "الحلو ميكملش"، مين هيرضى بيها.

كل أنواع التنمر التي قد يمر بها إنسان حدثت معي، فكنت أتعايش مع ألم نفسي قوي منذ طفولتي، كنت أتجرح بمثل هذه الكلمات "عاجزة، مشلولة، الحلو ميكملشي، مين هيرضى بيها، مين هيرضى بيها"، كنت كلما رأيت حبيبين قلت: متى أكون مثلهما هل سيأتي ذلك اليوم، ظل الأمر هكذا إلى أن تعرفت على علوم التنمية البشرية وأخذت كورسات فيها بعدد شعر رأسي، والجميل أنني وجدت محتواها يتحدث عن معاناتي، كيف تتحدين ألمك وكيف تتخطينه، وكيف تجعلينه حافزًا لتضيئي به طريقك.

ماذا عن السباحة، ولماذا هذه الرياضة بالذات؟

كان دخولي لها مصادفة، كان يتملكني هاجس التخلص من الكرسي المتحرك، فكيف سأرتدي فستان الفرح وأنا هكذا، ولذلك خضت عمليات جراحية كثيرة في مستشفى عين شمس التخصصي، كي يتم القبول بي كعروس، وندمت على تفكيري هذا، حتى بعد أن تخلصت من الكرسي وبدأت في استخدام العكاز، شعرت أنه أيضًا غير كافٍ فطاقتي وشغفي أكبر من ذلك بكثير، كانت الأجهزة الحديدية عالقة بقدميّ كجبلين، وأثناء ذلك لاحظتني خبيرة ألمانية في مركز تأهيل العجوزة وقالت لي (جسمك حلو العبي سباحة)، فقلت لها: كنت أنا حارسة الحقائب في المصايف عندما تسبح أفراد أسرتي، فأخبرتني أن العوم يكون بالجسم لا بالأرجل، وبالفعل تعلمت السباحة واجتزت بطولات وكنت كلما شعرت بالاشتياق إلى المشي على قدمي، أنزل المياه وأسبح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية